الأربعاء، 29 يونيو 2011

تا ريخ مصر ( ثورة 1919 ) 2


في 19 أبريل 1923 صدر أول دستور في تاريخ مصر الحديثة، و جاء خروجه للحياة بعد مخاض عسير استمر من الثورة العرابية 1882، مروراً بثورة 1919م و تصريح 28 فبراير و انتهي بنهاية سعيدة هي إجراء الانتخابات و فوز حزب الوفد بأغلبية ساحقة و تولي سعد زغلول الوزارة ، التي سميت بوزارة الشعب.
ولد هذا الطفل المعجزة في ظل احتلال غاشم و لكن بإرادة شعبية حديدية لم تصمد أمامها سلطة أكبر قوة استعمارية في العالم في ذلك الوقت.
الخديو إسماعيل
أول من مهد إلي إشراك الشعب في حكم بلده هو محمد علي الذي طبق نظام الدواواين و مجلس المشورة 1829م الذي جاءت به الحملة الفرنسية . و استلهاماً لرؤية جده قام الخديو اسماعيل بالسير علي نفس المنهج و أنشأ مجلس نيابي عام 1866م ، و علي الرغم أن كل هذه المجالس كانت استشارية فإنها وضعت اللبنة الأولي في العقل الجمعي السياسي للشعب المصري.
ألتقط الشعب هذا الخيط و نمي وعيه و إدراكه السياسي حتي أنه في عام 1881م دخل في خصومة مع الخديو توفيق (ولي النعم) من أجل إقرار دستور للبلاد و توسيع صلاحيات المجلس النيابي. و هو أمر لم يكن متصوراً أن يحدث قبل 10 سنوات فقط.
و كانت البداية الحقيقة للدستور هو صدور لائحة الدستور في 7 فبراير 1882م أثناء الثورة العرابية، و هي اللائحة التي منحت مجلس النواب صلاحيات واسعة في التشريع و إقرار الضرائب و رقابة أعمال الحكومة. و لكن الاحتلال البريطاني عام 1882م جاء ليجهض هذه المحاولة الجدية و يعيد الحياة النيابية إلي المربع الأول و هو مجالس شبه نيابية – مجالس مديريات و مجلس شوري القوانين و الجمعية العمومية ، رأيها استشاري فقط و يسيطر عليها طبقة الأتراك و كبار الأعيان المصريين.
الزعيم أحمد عرابي
أدرك المصريون أن المطالبة بالدستور تحتاج إلي قيام أحزاب تتحدث باسم الشعب و تعبر عن مطالبه لتضغط علي سلطة الاحتلال للوصول إلي الدستور، فجاءت نشأة الأحزاب السياسية عام 1907م بقيام أحزاب كثيرة أهمها الحزب الوطني بزعامة مصطفي كامل و حزب الأمة بزعامة أحمد لطفي السيد. و كان المطالبة بالدستور من أهم مبادئ هذه الأحزاب.
و لكن مرة أخري جاءت الحرب العالمية الأولي عام 1914م لتوقف كل هذه الجهود و تجمدها، و لكن ما أن انتهت الحرب عام 1919م و صدرت مبادئ ويلسون التي تدعم حريات الشعوب حتي عادت المطالبات من جديد باستقلال البلاد و قيام حياة نيابية صحيحة و حقيقية.
كان الشعب المصري قد وصل لذروة الوعي السياسي فخرج في 1919م كالبحر الهادر ثائراً علي الاحتلال و الاستبداد و الظلم الاجتماعي و سقط شهداؤه في الشارع يعلنون أن لا شيء أغلي من الحرية…حتي الحياة نفسها.
و بالفعل جاءت الاستجابة لكل هذه المطالب فعاد سعد زغلول و رفاقه من المنفي و صدر تصريح 28 فبراير يعطي مصر استقلالاً نسبياً.
و بعد صدور تصريح 28 فبراير بإلغاء الجماية البريطانية علي مصر، هدأت الأمور في البلاد. و قامت لجنة الثلاثين بوضع دستور البلاد الذي صدر فعلاً في 19 أبريل 1923 م ، و قد تضمن الدستور المبادئ الرئيسية التالية:
  1. جميع سلطات البلاد مصدرها الأمة ، أي الشعب
  2. الملك يملك و لا يحكم
  3. السلطات التنفيذية للملك و لكنه يباشرها بواسطة الوزارة
  4. للملك الحق في تعيين الوزراء و إقالتهم
  5. للملك الحق في حل البرلمان
  6. البرلمان هو السلطة التشريعية و يتكون من مجلسين : مجلس النواب و أعضاؤه منتخبون، و هو الذي يمنح و يسحب الثقة من الوزارة و يراقب أعمال الوزارات. و مجلس الشيوخ : 3/5 منتخبون و الباقي بالتعيين
  7. المواطنون متساوون في التمتع بالحقوق المدنية و السياسية و تحمل الأعباء الوطنية دون تمييز بسبب الدين أو الأصل أو اللغة.
و الحقيقة أن هذا الدستور كان جيداً كخطوة مهمة للحياة الديموقراطية، و لكنه لم يخل من أوجه النقد مثل أنه أعطي الملك الحق في حل البرلمان و إقالة الوزارة، فمكن الملك و هو صاحب السلطة التنفيذية من التحكم في السلطة التشريعية و هي البرلمان.
سعد زغلول
و في 23 يوليو 1923 ألغيت الأحكام العرفية، و أطلق سراح سعد زغلول و صحبه و خاض الوفد الانتخابات في يناير 1924 م، فاز فيها الوفد فوزاً ساحقاً بينما نجح عدد قليل من حزب الأحرار الدستوريين برئاسة عبد الخالق ثروت.
لقد كانت الانتخابات نزيهة، و شكل سعد زغلول وزارة برئاسته فكان أول مصري من أصول ريفية يتولي هذا المنصب و سميت وزارة الشعب.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق